التصحر العاطفي القادم- تحديات التقنية وحلول للمستقبل

المؤلف: عبده خال10.05.2025
التصحر العاطفي القادم- تحديات التقنية وحلول للمستقبل

لقد سطرتُ في سالف الأيام مقالًا يتناول قضية الجفاف العاطفي المتربص بنا، وبسبب تسارع وتيرة العصر، لم تتح لنا الفرصة لاستقبال هذا التغيير بخطط استباقية، بل وجدنا أنفسنا في قلب المعركة، قفزنا إلى أمور تفوق قدرتنا على الاستيعاب بخططنا التقليدية، هذا التسارع الزمني لم نعتد على مواكبته أو مجاورته.

أجل، نحن مقبلون على تصحر مدهش، فالابتكارات التقنية قفزت بالعالم خطوات واسعة، والمجتمعات الاستهلاكية لم تعد قادرة على التوافق الثقافي والنفسي مع المستجدات ذات التأثير العميق على حياتها.. غالبًا ما تكون المجتمعات الاستهلاكية تابعة بشكل أو بآخر، وتتشكل وتتغير سلوكياتها وفقًا لمعطيات المنتج التقني..

الدول المنتجة وازنت مجتمعاتها وفقًا لهذا المنتج، وبالتالي نجد تناقضًا بين ثقافة المجتمع ومنتجاته، خاصة في الجانب الاجتماعي، بينما الدول المستهلكة تعاني من تأخر ثقافتها وسلوكها عن الأدوات التي تستخدمها في حياتها، مما يخلق فجوة لا تتناسب مع واقعهم، ويحدث تكيف قسري مع المعطى التقني.

لا ننسى إعلان إحدى الجامعات البريطانية عن اختراع روبوت يقوم بدور الزوج، ويلبي جميع احتياجات المرأة من الألف إلى الياء، بما في ذلك إشباعها بالكلام المعسول، والثناء على جمالها، والتعبير عن المشاعر، وتبديد الملل الذي قد يصيب الزوجة البشرية..

كيف يمكن للمجتمعات المستهلكة استيعاب فكرة إحلال الرجل الآلي محل الزوج البشري التقليدي؟ هذا المخترع يثير تساؤلات جمة.

دعونا نفسح المجال للخيال ليطلق العنان لكل قارئ، ليتصور شكل الحياة في ظل هذا السيناريو.. ماذا ستكون عليه الحياة بهذه الصيغة؟ نترك الإجابة لخيالكم الخصب.

ربما يسبق هذا الروبوت الزوجة الآلية أو المصنعة، لكي يتخلى الرجل عن المسؤوليات الجسام المتمثلة في الرعاية والإنفاق، أو التخلص من (وجع الرأس) الناتج عن البحث عن الزوجة المناسبة؟

ليست القضية هنا مجرد رغبات، بل هي تقنية ستغير الأنماط السلوكية في السنوات القادمة، أي أن ثقافة الدول المستهلكة ستجد نفسها أمام معضلة اجتماعية عويصة، فثقافتها لم تصل بعد إلى مستوى التطور التقني، وليس لديها حلول آنية أو مستقبلية لمواجهة ما تحمله المقتنيات التقنية من تغيير ثقافي وسلوكي..

كلما طالعت تقريرًا عن العنوسة، أو عن معدلات الطلاق، أو عن تأخر سن الزواج، أو عن العازفات عن الزواج، أجد أن المجتمع يعاني بالفعل من أزمة اجتماعية مستعصية، لم تُحل بالطرق التقليدية، حتى أن التعددية لم تعد قادرة على تقديم الحل الأمثل، ومع تزايد أعداد غير المتزوجين، نسمع عن ميل البعض (صراحة أو تلميحًا) إلى التعلق ببدائل تقدمها التقنيات.. في كل الأحوال، هناك حقيقة اجتماعية ماثلة تؤكد على تفاقم الجفاف العاطفي، وأعتقد أننا بحاجة إلى وضع تصور أو مجموعة قرارات لمواجهة هذا التصحر العاطفي الوشيك، والذي ينذر بعاصفة اجتماعية لم ينتبه إليها أحد، أو لم تُتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية المجتمع من آثارها الوخيمة.

حقيقةً، نحن نعيش حاضرنا وفقًا لما يحدث، على الأقل من الناحية الثقافية، فما الذي سنصنعه في الغد؟

لقد قرعت هذا الجرس منذ وقت مبكر، عندما شعرت بتجعد مشاعر جيل الشباب، ومع ذلك، هناك حراك ملازم للتغيرات، مع الإشارة إلى سقوط أعراف سابقة لم يعد الجيل يعتد بها، وهذا ليس عيبًا يوصم به الشباب، بل هو حراك الزمن الذي ينتج ما يلائمه في كل عصر... ويبدو أن الشيخوخة تمكننا من ربط رؤوسنا ونقوم بدور النادبات.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة